محاضرة بعنوان : الشعر الحساني علاقته بأزوان وتداخله مع الشعر العربي ج1/ الدده محمد الأمين السالك

في هذا الزمن المليء بالمتغيرات السريعة، وطغيان أدوات التفاعل الحي والفعل المباشر عبر آليات فرضت نفسها و منهجيتها على الفعل البشري المعاصر، لتقوده بسرعة جنونية نحو مفترق طرق مفتوح على كل الاحتمالات، وفي عصر مليء بروح التحدي والرفض الخلاق لكل ما هو معيق للتطور والتقدم والاندفاعية التي تميز الحياة المعاصرة في كل أجزائها ومفرداتها وعنفوان مسارها المحتدم بكل شيء باتجاه ديمومة التواصل، وشمولية التلاقي والتفاعل .. في عصر جديد بكل محتوياته متمرد على روتين الزمن التقليدي، لا يرحم من لم يستطع مواكبة وقعه المتسارع .. في هذا العصر الذي تلك هي صفاته وملامحه العامة، تبرز إلحاحية الحاجة إلى التعاطي الفعال مع التراث الثقافي وتطويره والاستفادة من منابعه الثرة كمعطى يستحيل بدونه الدخول إلى النادي الحضاري الإنساني، الذي لا يفتح أبوابه إلا للقادرين على التعاطي مع آلياته ومناهجه الصارمة، بشكل أصيل وفعال في آن معا، يقف على أرضية الموروث الحضاري الصلبة التي تمكنه من مسايرة المستقبل بخطوات محسوبة بعيدا عن الجمود العاطفي والنفسي من جهة، ومن الانسياق اللامحسوب لرهانات عولمة الثقافة، وخلط أوراق آنات الزمن من جهة أخرى .

من هذه الرؤية يكون التعامل مع التراث وتوظيفه في دفع المسار الثقافي العام، خيارا أساسيا لا غنى عنه، يستجيب لإلحاحية الفعل الوطني المؤثر في وجه التحديات المعاصرة التي تهدد في الصميم كل من لم يستطع التصدي لها بفاعلية معرفية معتبرة .

ومن نافلة القول إن مواجهة هذه التحديات تعتبر ضربا من المستحيل دون توظيف التراث الثقافي بكل أركانه وإمكاناته المعرفية الهائلة التي تعتبر تأشيرة دخول غيرَ قابلة للتحييد، إلى عالم المعرفة والفكر الأصيل .. انطلاقا من مسلمة كون حرب اليوم هي حروب حضارية من الدرجة الأولى هدفُها الأول القضاء على التراث بوصفه قوة محركة تدفع الشعوب إلى مواصلة عطاآتها النضالية .

وانطلاقا من هذه المعطيات، يكون من مسؤولية كل الفاعلين في حقول الثقافة والفن والأدب، التعاطي مع التراث لإثراء الساحة الثقافية وتحريك  الفعل الثقافي عبر التفاعل الحي بين أنات الزمن ” ماضيه بما يمثله من تراكم تراثي هائل، وحاضره بما يتمتع به من إشراقات و عنفوان ثقافي، ومستقبله بما ينطوي عليه من أمل وطموح ” .

إن لكل أمة من الأمم ما يميزها من خصوصيات ولكل شعب من الشعوب سماته الذاتية التي تميز حياته وتطبعها بطابعها الخاص .

ومن أهم المميزات المحفزة والأساسية في بناء الشعوب : التراث، لأنه يشمل مختلف جوانب الحياة، بكل أبعادها المادية والروحية والأدبية والترفيهية وغيرها، حيث تتشكل السمات المميزة لأي شعب، من نسيج معقد من المعطيات الثقافية الخاصة، التي تتجمع مع الأيام لتشكل كلا من المعاني المختلفة، يطلق عليه في العرف اللغوي ” الهوية الوطنية ” .

ومن الأمور التي تميز بها الشعب الموريتاني، وأثرت حياته الأدبية والأخلاقية، وكان لها الأثر البالغ في تحديد هويته الخاصة ” الشعر الحساني ” بوصفه موضوعا شاملا لأغلبية عناصر التراث الموريتاني، وهناك جوانب عديدة جديرة بالدراسة تتعلق بالشعر الحساني، مثل علاقته بالموسيقى الموريتانية ( أزوان ) وتداخله مع الشعر الفصيح في العلاقة بينهما من خلال الشواهد وكيفانها، ومثل تميزها بميزات مثل الإيجاز والحيرة والمرونة، والصورة بمختلف أنواعها ” اللقطة – افلاش – البانوراما – تصوير الزمن ” وغيرها من المميزات .. إلا أننا في هذه المحاضرة سنركز على الملامح المشتركة بينه وبين الشعر الفصيح .. ولنبدأ بسؤال : ماهي الملامح العامة للشعر الحساني ؟

سيتم نشر جزء من المحاضرة كل ثلاثة ايام حصريا على وكالة الهدف

شاهد أيضاً

وزير التنمية الحيوانية يؤدي زيارة لعدد من المؤسسات والمصالح التابعة للقطاع ” صور “

  أدى معالي وزير التنمية الحيوانية السيد المختار ولد گاگيه، يوم الثلاثاء بنواكشوط، زيارة تفقد واطلاع …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *