(القدس العربي ) مع أنه غادر إلى تركيا للاستجمام ومنها إلى ألمانيا للعلاج، ويتوقع البعض أن ينتقل في المستقبل للإقامة في دولة الإمارات، ومع أنه سلم السلطة لخلفه الرئيس الغزواني بطريقة مطابقة للدستور، ما يزال محمد ولد عبد العزيز رئيس موريتانيا المنصرف يشغل الناس، سياسيين ومدونين، رغم كل ذلك.
فهل تجب مسامحة الرئيس المنصرف مقابل احترامه للدستور، مع طي صفحة تسييره وحكمه، أم تجب -على العكس من ذلك- مقاضاته ومحاكمته، بل ومحاكمة من يسمون محلياً “الكتيبة البرلمانية التي أوصلته للسلطة بدعم انقلابه على الرئيس المنتخب عام 2008؟”.
حول هذا السؤال يدور حالياً جدل بين كبار الساسة والكتاب والمدونين.
غادر إلى تركيا للاستجمام ومنها إلى ألمانيا للعلاج، ويتوقع البعض أن ينتقل في المستقبل للإقامة في دولة الإمارات
كان الكاتب والإعلامي البارز البشير ولد عبد الرزاق أبرز منصفي الرئيس السابق، حيث كتب تحت عنوان “آخر الانقلابيين”: “حتى الرمق الأخير، ظل رفاق بينيتو موسوليني من اليسار الإيطالي، يتوسلون إليه بإخلاص شديد لكي يقلع عن فكرة الفاشية ويتخلى عن لقب “الدوتشي”، (يعني القائد بالإيطالية)، لكن ابن الحداد والمعلمة، الذي عاش جزءاً من حياته متسكعاً في شوارع العاصمة السويسرية جنيف، كان يسخر من رفاقه القدماء أولئك، ويصفهم بالبط المذعور، وانتهى الأمر بأحمق روما، ذات مساء بارد، معلقاً من قدميه صحبة عشيقته كلارا، في إحدى محطات البنزين وسط مدينة ميلانو، تفوح من جثته رائحة نتنة”.
وأضاف: “عكس ما حصل مع موسوليني، لم يكن ولد عبد العزيز محظوظاً في رفقته، إذ لم يكن من بين الرفاق “يساري إيطالي” واحد مخلصاً، جميعهم توسلوا إليه أن يتشبث بالسلطة غصباً، أن يأخذ الوطن معه في جولة مسائية داخل حدائق القصر، ويرميه في أقرب صندوق زبالة، وينفض يديه حتى لا يعلق بهما منه شيء، بل وجاؤوه عشاء بكتيبة برلمانية تعادل مرتين تلك التي دفعت عربته ذات صباح خريفي نحو القصر، لكن الرجل رفض ذلك العرض الرخيص، وانتصر على كل إغراءات اللحظة، وحده ولد عبد العزيز من قرر الخروج من البوابة الكبيرة، ضحى والناس ينظرون! ووحده ولد عبد العزيز من أنقذنا من نزواتنا ونوبات جنوننا، حين حشرنا المادة 28 في الزاوية، وصوبنا إليها خراطيم بنادقنا العتيقة، واعتبرنا الأمر ملحمة وطنية”.
منصفون ثمنوا احترامه للدستور وآخرون يطالبون بملاحقته
“لم يختلف الموريتانيون على شيء، يضيف الكاتب، مثلما اختلفوا على ماركات الشاي الأخضر في أسواقهم، وعلى أداء رئيسهم المنصرف محمد ولد عبد العزيز، لكن الأمور بخواتيمها كما يقال، التاريخ يكتب من الأسفل إلى الأعلى، أدولف هتلر، النازي الذي أنهك البشرية، أقام الدنيا ولم يقعدها، شغل العالم بأسره، وتوغل بعيداً في الجغرافيا حتى صارت قباب قصور الكرملين على مرمى حجر من قبضة يده، لكن أكثر ما احتفظ له به التاريخ في ذاكرته هي صورة رجل غارق في بؤسه وضعفه، يتأمل زوجته إيفا براون وهي تتجرع السم أمام عينيه دون أن يحرك ساكناً، ثم بيد مرتعشة يطلق النار على رأسه منتحراً، حصل ذلك داخل قبو رطب وسيئ الإضاءة في مدينة مدمرة ومهجورة”.
وقال: “لا تفتأ موريتانيا تحير جيرانها والعالم، بمشهدياتها السياسية الغريبة والمضحكة، فحين دقت ساعة تداول السلطة، كان الجالسان على خشبة المسرح، المكتظ بأجساد الفضوليين، جنرالين متقاعدين، أحدهما في سيرته الذاتية انقلابان متتاليان، والله وحده يعلم كم عدد الانقلابات الأخرى التي فكر فيها، والثاني جنرال من الدفعة ذاتها، ما تزال آثار النياشين على كتفيه لما تجف بعد، سيقول لك سكان هذه الصحراء الممتدة في لا نهايات الأفق، إن أنت سألتهم تفسيراً لهذا الأمر، إنهم لم يشغلوا أنفسهم يوماً بالتفكير في الجهة التي سيأتي منها المطر، فالمهم في الأخير هو أن تمطر”.
وأضاف الكاتب عبد الرزاق: “سلب ولد عبد العزيز الموريتانيين علم استقلالهم ونشيدهم الوطني ومجلس شيوخهم وأوراقهم النقدية القديمة، سلبهم أحد عشر عاماً طويلة من أعمارهم وأشياء أخرى جميلة سيحدثك عنها الموريتانيون بحسرة كبيرة، لكن الرجل، في النهاية، حفظ عليهم دستورهم الذي هو عصمة أمرهم السياسي.
وفي المساء الأخير، قبل الرحيل، أهدى ولد عبد العزيز الموريتانيين ساحتين توأمين فسيحتين تنامان مطمئنتين على عتبات القصر الرئاسي، منحهما اسماً مغرياً للغاية “ساحة الحرية”، وكأني بالرجل يحرض شعبه على الثورة ضد أي رئيس قادم قد تسول له نفسه الاستسلام لإغراءات الكرسي الوثير، هو الذي جرب ذلك الإغراء الشديد، وحين فتش عن يمينه وعن شماله لم يجد من بين الرفاق “يسارياً إيطالياً” واحداً يسدي له النصح بإخلاص”.
وعن الرئيس ولد عبد العزيز المثير للجدل كتب رئيس تحرير صحيفة “القلم” منتقداً التركة التي خلفها، قائلاً: “ها هو يسلم، إلى خلفه، بلداً مستنزفاً: هدية مسممة، هل ذلك عن قصد؟ بلد مشلول بالكامل؛ فالاقتصاد محتضر، والنظام المصرفي يغرق، والدين الخارجي والداخلي هائل، والنسيج الاجتماعي ممزق، وإدارة يستطيع كل من هب ودب أن يدعي فيها ما يشاء، شريطة أن يكون متنفذاً جداً، وقضاء خاضع تماماً، ونظام لإبرام الصفقات على مقاس الطائفة وحدها، والتعليم والصحة في حالة موت سريري، وانعدام كامل للأمن، والموارد السمكية في يد رجل واحد يوزع الحصص كما يحلو له، وقطاع معادن لا تستفيد منه إلا أقلية “كريمة النسب”؛ وزراعة لا تزال تلتهم المليارات، من أجل تحقيق نتيجة تكاد تساوي الصفر.. وعاصمة فاسدة تسود فيها الفوضى، حيث تم بيع المدارس، واحتلال الساحات العمومية، على رؤوس الأشهاد جهاراً ونهاراً، ونهبت الاحتياطيات العقارية، هل تريدون المزيد؟
وقال: “لا بد من وقت طويل وفضاء واسع لتنظيف أحد عشر عاماً من سوء الإدارة والنهب والإهمال؛ إنها تركة ثقيلة لدرجة أنه من المشروع أن نتساءل ما إذا كان البلد يمكن أن يتعافى منها من جديد”.
أما المدون البارز سعد حمادي، فيرى أن الأولى هو “محاكمة الكتيبة البرلمانية بدلاً من مُلاحقة عزيز”.
وقال: “في استطلاع نشرته على الصفحة، أكد غالبية المُستطلعة آراؤهم من بين آلاف الأشخاص أنهم يُفضلون مُلاحقة الرئيس السابق قضائيا بسبب الفساد واختلاس الأموال العامة، بينما عارضت ذلك الرأي أقلية معتبرة”.
وأضاف: “شخصياً، لا أحبذ النظر إلى الخلف، بل أفضل استشراف المستقبل والنظر إلى الأمام، لذلك فإنني أفضل طي صفحة الماضي لأسباب سآتي على ذكرها لاحقاً، لكن الاستثناء الوحيد بالنسبة لي يبقى الكتيبة البرلمانية ( طالب أفرادها بمأمورية ثالثة غير دستورية للرئيس عزيز) التي يستحق كل أفرادها وبجدارة تقديمهم للمحاكمة؛ فقد يكون ولد عبد العزيز، وهذا هو الأرجح، مُتورطاً في قضايا اختلاس كبيرة لأموال الموريتانيين، لكن بالنسبة لي تبقى التجاوزات المالية، مهما عظمت، أقل ضرراً من التجاوزات القانونية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بخرق الدستور وتعريض استقرار البلد للخطر”.
وقال: “لقد كادت دعوة الكتيبة البرلمانية لتعديل الدستور من أجل التمديد لمأمورية ثالثة، في خرق سافر للدستور، تدخل البلاد في نفق مظلم، لكن العناية الإلهية وقفت في وجه تلك الدعوة؛ فهل تمكن مُتابعة هؤلاء في ظل وجود حصانة برلمانية؟”.
نعم تمكن ملاحقتهم بعتدائهم السافر على فقرة من القانون هم فى مانعتقد حماته