بعد أيام من الترقب .. ومراهنة البعض على أن السلطات لن تسمح للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بعقد مؤتمر صحفي، كانت السلطات تتعامل مع الحدث ببساطة شديدة، لأنها تقف عند مسؤولياتها القانونية التي تفرض عليها احترام دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية بشفافية وأمانة، وبدون تهاون ولا تفريط فرخصت بدون شروط للمؤتمر الصحفي رغم خصوصية الوقت وحساسية الموقف.
خطوة موفقة، ترجمت رؤية الرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني الذي أخذ مبدأ حرية التعبير حيزا كبيرا في تعهداته للشعب بوصفه حقا دستوريا مقدسا لايمكن المساس به.
لقد جسد هذا الإجراء حرص السلطات على احترام الحقوق التي يكفلها الدستور للمواطنين، لأن من أخطر مظاهر الفساد و أشدها وقعا على المجتمع وخطورة على الأمن الوطني، التعالي على الدستور الذي صوت عليه الشعب وتبناه بوصفه الوثيقة الوطنية المركزية الوحيدة المجمع عليها بما فيها لحماية أمن الوطن وحقوق الناس ومصالحهم .
الوفاء لقيم الجمهورية، التي يضبطها ويحميها الدستور هو استجابة متحضرة لإرادة الشعب وضمان للسلم، ودفع لمسار التنمية بجهد جماعي منسجم يشترك فيه الجميع .
إن صيانة الدستور وحفظ ما يكفله من حقوق وما يرتبه من واجبات أمور يجب على المواطنين بدون استثناء الالتزام الصارم بها، فهذه مسلمة غير قابلة للتحييد، لأن أي تجاوز او انتهاك للدستور يفتح الباب أمام الاختلالات وفقدان الضوابط وآليات التعايش التي تنظم سلوك المواطنين وتحكم علاقاتهم فيسهل التلاعب بمصائر الناس والعبث بالمصالح العليا للوطن .
إن احترام الضوابط الدستورية بكل حيثياتها ليس عملا تقليديا أبدا بقدر ما هو عمل تحولي رفيع، يؤتي بمرحلة جديدة تتحدى روتين الزمن المريض بالأنانية، ورتابة الواقع ” المفروض ” بالتأويلات المفتوحة على كل احتمال، ويؤسس لفعل حضاري تنموي شمولي يستوعب الجهد الوطني بكل عناصره، ويضع رؤى استراتيجية لبناء موريتانيا بحجم طموح شعبها، والقضاء على عوامل الفساد والتخلف والاتكالية .